الجمعة، كانون(۱)/ديسمبر 13، 2024

المماطلة والبلطجة لن تحرف مسار الانتفاضة

لبنان
ها قد مضى شهر ونصف على بدء الانتفاضة الشعبية الرائعة، وما زال شعبنا مستمرّاً في الشارع والساحات في جميع مناطق لبنان. ومع أنّ صرخاته المدوّية المعبّرة عن وجعه تردّدها الساحات والشوارع، فإنّها لم تدخل بعد كما يبدو، في اسماع وعقول زعامات الطبقة السلطوية. فهم لم يعتادوا الإصغاء إلى أصوات الناس خصوصاً الكادحين والفقراء ومجمل المظلومين. يزعجهم سماع صوت الرأي الحرّ الحقيقي، والفكر النيّر، والمواقف الوطنية الجريئة. ويبدو أنّ الأطراف السلطوية، لا تكترث إلّا بمصالحها الخاصة وحصصها والتوافق عليها وتتغافل عن صوت الوطن، وصوت الشعب الهادر في كل لبنان، المُطالب بالعيش الكريم وبالحصول على أبسط حقوق الانسان في القرن الواحد والعشرين بدولة قانون، وبوطن يعيش فيه أبناؤه. فلا يصدِّق أحدٌ في عالم اليوم، أنّ لبنان بعد ثلاثين سنة على توقف الحرب، ما يزال شعبه مثلاً، يعاني من تقنين في الكهرباء أكثر قساوة ممّا كان عليه في ظروف الحرب الأهلية، وكذلك في مياه الشفة وغيرها مثل مشكلة النفايات. ففي حين استطاع شعبنا أن ينتصرَ في مقاومة الاحتلال، ويفرض على جيش العدو الصهيوني الانسحابَ المذل، بدءاً من عاصمتنا بيروت، بدون قيد أو شرط، يجد اللبنانيون الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، ومجمل الوضع الداخلي، مشهداً بائساً ومعاكساً، لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة سياسات الطبقة السلطوية المستمرة منذ ثلاثين سنة وحتى الآن. وهذا ما أوصلنا إلى ما يعيشه شعبنا وبلدنا من أزمات وتدهور وبدء انهيار اقتصادي ومالي يطال بانعكاساته الطبقات الفقيرة وجمهور الطبقة الوسطى، ويزعزع الثقة بلبنان وبمستقبل أبنائه الشباب، الذين لا يتوفر لهم التعلّم وفق منهاج تعليمي حديث، وتكوين مواطن ووطن، ولا سكن، ولا فرص عمل تبقيهم في وطنهم، ولا ضمانات صحية لقسم كبير منهم، ولا ضمان شيخوخة لكبارهم. إنّ مواجهة هذه السياسات السلطوية ونتائجها، هي التي تجلّت بتفجّر الانتفاضة الشعبية المليونية، وهي مع ما سبقها من نضالات في الشارع، تعبّر عن حقوق ومصالح شعبنا وكادحيه، ضدّ الإفقار والفساد المستشري وهدر وسرقة المال العام داخلياً، وضد سياسات الغرب الإمبريالي والتبعية لها من خلال وصفات صندوق النقد الدولي، والهيئات والمؤسسات الدولية الأخرى، التي تخدم مصالح الاحتكارات الرأسمالية الضخمة. لذلك نرى أنّ المستفيدين من تركيبة السلطة ونظامها الطائفي التحاصصي، ومنظومة الفساد الناجمة عنها، يلجؤون إلى ترويج الشائعات والدعايات، ومنها وصف الانتفاضة بأنها مؤامرة أميركية، واعتماد المماطلة الطويلة علّ المنتفضين يتعبون، وصولاً إلى استخدام ممارسات البلطجة والإعتداء المباشر على جمهور الانتفاضة في الشارع والساحات. والمؤسف والمؤلم في آن، هو أنّ هذه الارتكابات تجري تحت عنوان حركة أمل وحزب الله. ممّا يطرح عدّة تساؤلات، منها، ألا يفكر الذين هم وراء هذه الممارسات الاستفزازية، بأنّ شحن الأجواء الشعبية بالعصبيات والانقسامات، مُعادٍ للوطن ووحدته، ولدور المقاومة؟ وأنّ حقوق ومطالب الشعب بالعيش بكرامة، هي القضية التي فجرت الانتفاضة المليونية، وليس السفارات، التي تحاول استغلال الوضع اليوم وأمس وغداً، للاصطياد بالماء العكر؟ ألا تنمّ أساليب أضعاف وضرب الانتفاضة والعمل لحرفها عن طبيعتها ومسارها، عن الخوف والرعب من ضرب منظومة الفساد السلطوية ومحاسبة الفاسدين؟ ألا يدرك هؤلاء أنّ هذه الممارسات المشينة في شوارع بيروت ومدينة صور، تجرّ البلاد إلى افتعال فتنة تصّب في مخطط الفوضى الأميركي، وتفتيت بلدان المنطقة ومنها لبنان؟ هل هذا هو وجه المقاومة الداخلي؟ وهل من مصلحتها تقليص أم توسيع التأييد الشعبي لها؟ لقد برهنت جماهير الانتفاضة أنّها تعي الأغراض المبيتة، فلم تنجرّ إلى هاوية الفتنة لضرب الانتفاضة وتحويل التناقض بين الشعب والطبقة السلطوية إلى صراعات ونزاعات بين الجماهير الشعبية الكادحة والجائعة نفسها. وإنّ على الأطراف السلطوية الآن، التوقف عن المماطلة والتسويف بتشكيل حكومة وطنية مستقلة بصلاحيات واسعة، لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، والتركيز على وقف الانهيار الاقتصادي والمالي، واتخاذ تدابير استعادة المال المنهوب. وهذا الأمر هو ضرورة وطنية انقاذية، فوق الصراع على المصالح الفئوية والخاصة. ولم يعد بإمكان أحد في السلطة وخارجها تجاهل دور المارد الشعبي الذي خرج من القمقم، ولن يعود إليه. فالشعب هو مصدر السلطات والوطن فوق الجميع.
# موسومة تحت : :