الثلاثاء، كانون(۱)/ديسمبر 03، 2024

الشائعات والحلول الممكنة بين الحقيقة والواقع

  محمد شقير
رأي
كالنار في الهشيم انتشرت منذ مساء السبت على مواقع التواصل الاجتماعي وجميع وسائل الاعلام شائعات مختلفة تتحدث عن فبركة محطة اعلامية لفيديو شتم أم المؤمنين عائشة. يطلق هذه الشائعات أشخاص يتمنون في قرارة أنفسهم أن لا تحصل مثل تلك البذاءات المذهبية المقيتة. لهم الحق في ذلك، لكنهم واهمون. فما جرى هو حقيقة ومعالجتها لا تقتصر على تمنيات عاطفية لا تسمن ولا تغني من جوع.


مع كل تحرك يحصل في البلاد، تتحرك غرائز مذهبية دفينة لدى فئات واسعة من الشعب اللبناني، مدعومة ومواكبة من قبل أقلام وإعلام وسياسات تشتغل ليل نهار لتحريض اللبنانيين ودفعهم دفعًا الى إخراج تلك الغرائز الى العلن، وتحويلها الى أفعال وسلوكيات تظهر مع كل تحرك أو تعبير ديمقراطي مهما كان نوعه أو شعاراته.
إن خروج فئة من الناس الى الشارع للتعبير عن رأيها أمر ضروري بل واجب، وحماية هذه الفئة تتطلب، إضافة الى وجود قابلية رضائية عند الآخرين، تضافر جهود قوية أمنية وسياسية. وعلى من يقف في المقلب الآخر الدفاع عن حق تلك الفئة في التعبير عن رأيها بحرية كاملة من دون أي نقصان. وذلك لأجل أن يضمن الآخر الحق له في التعبير عن رأيه حينما يريد وبالكيفية التي يراها مناسبة شريطة عدم الاعتداء على حرية الآخرين.
غير أن ما يجري في لبنان، ويظهر بوضوح صارخ منذ انتفاضة 17 تشرين، يعبر عن حقيقة أن اللبنانيين، بمعظمهم، لا زالوا يرزحون تحت عبء أحزابهم وزعمائهم ومذاهبهم ومصالحهم الضيقة التي لا تتخطى صندوقة إعاشة من هنا وعلبة دواء من هناك وخدمةً لا تساوي انحناء رأسٍ مهما كانت كبيرة.
إن ترويج شائعات من صنف فبركات أمر لم يعد يجدي نفعًا، وكل ذلك هو عبارة عن كلام يجري علاكه بطريقة دونية لا تساوي الحبر الذي تكتب به. فحقيقتنا هي ان شعبنا يمارس تلك السياسيات ويطلق تلك الشعارات بحق، وهو يختزن في ذاكرته كمًا هائلاً من الشعارات المذهبية التي تعيده أكثر من 1400 سنة الى الوراء. وهو، مستعد أن يشعل البلد ويحرقه من أجل خبرية قديمة قدم تلك المئات من السنوات.
ما الحل؟
إن المطلوب ليس إيقاف تلك الشائعات كما يحلو للبعض ان يقول، المطلوب هو اعادة النظر في النظام السياسي الطائفي القائم، وبناء دولة وطنية ديمقراطية لا طائفية، عمادها الأساس هو فصل الدين عن الدولة، وقانون انتخاب وطني عصري نسبي بلا قيد طائفي، وتخفيض سن الاقتراع، كما سائر الشعوب، الى 18 سنة. وطبعًا قيام مجلس للشيوخ. على أن يتبع ذلك مباشرةً إلغاء الاحزاب الطائفية وجامعاتها ومدارسها وتطوير المنهج التربوي وتضمينه ثقافة وطنية لا مذهبية،على ان تشدد القوانين التي تعنى بالجريمة وتشمل تصنيف الشعارات المذهبية في خانة الجريمة وتطبيقها بشكل حازم بحق مطلقيها.
فاللبنانيون يستحقون وطنًا لا مزرعة. وطن قدموا لأجله، جميعهم، آلاف الشهداء كي ينعموا بهوائه وأرضه وشمسه وبحره كما ينعم سائر البشر بأوطانهم.
لذلك، على ثوار 17 تشرين أن يعودوا الى الساحات وبقوة، فهم ملأوا الدنيا بشعاراتهم الوطنية الصحيحة، وكانوا منذ الخروج الأول، شعبًا لبنانيًا واحداً حملوا شعارات وطنية جامعة لمت شملهم من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب. حتى من لم يخرج منهم الى الساحات وجد نفسه في حناجر المتظاهرين، واعتبرهم ممثلين حقيقيين له وتمنى لهم ان يسقطوا السلطة الفاسدة ويحققوا حلمهم/ حلمه، في بناء دولة عصرية تمنح اللبناني الحياة الكريمة.
وعلى المكونات الاساسية لثوار 17 تشرين بذل جهد استثنائي بغية تأطير العمل وتنسيقه بشكل دقيق ومتطور. والمعركة مع السلطة، بجميع مكوناتها، ليست نزهة، وهي جلجلة من المتاعب والصعاب، لا سيما وان هذه السلطة تمتلك من الأوراق والحنكة والحقد ما يجعلها قادرة على تفكيك بنية الانتفاضة وتهشيمها. وما حصل بالأمس لدليل قاطع عن خبث هذه السلطة.
فالمطلوب إعطاء المثقفين والمفكرين الذين برزوا في ساحات الثورة دوراً اكبراً في تصويب عمل المنتفضين ووضع البرامج المناسبة لتوضيح الرؤية والهدف.
إن إيقاف الفبركات لا يفي بالغرض، فالمطلوب قتل الفتنة النائمة وليس وضعها تحت اليد ليستخدمها السياسيون ساعة يستشعرون أنهم بخطر.

*المصدر: الحوار نيوز

# موسومة تحت : :