الجمعة، كانون(۱)/ديسمبر 13، 2024

رسالة الرئيس بذكرى الاستقلال ومقتضيات الإنقاذ

رأي
 من النادر أن تصل سلطة دولة في العالم إلى درجة التعقيد والتردّي التي وصلت إليها السلطة في لبنان، والتي جاء توصيفها في رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بمناسبة ذكرى الاستقلال. ويبقى السلطويون في مواقعهم، في حين أنّ أقل من ذلك بكثير في أيّ بلدٍ متحضّر، يدفع إلى الإستقالة أو إلى إسقاط السلطة. وكان كافياً مثلاً ورود خبر عن قيام وزير باستخدام سيارة تابعة للوزارة لأمرٍ عائلي أو شخصي أو إيصال ولد إلى المدرسة، حتى يستقيل الوزير ويعتذر للشعب. وهذا ما جرى الأسبوع الفائت مع وزيرة في إستونيا، وقبل ذلك مرات عديدة في بلدان أخرى. أما في بلدنا، فإن السلطويين يتعاطون مع الدولة برمتها، كأنها ملكية خاصة لهم، سواء بالمفرّق في موقع كلٍّ منهم أم بالجملة. ومواقعهم في السلطة ليست مجرّد وجاهة بل إنها فرصة لكسب المنافع المادية، ولزرع المحاسيب بمعزل عن النظافة والكفاءة والحاجة إليهم.

وهذا ما جعل التنافس على نهش الدولة وسرقة المال العام، وإهمال الملفات والقضايا التي لا يتم التفاهم بينهم على الحصص بشأنها، من الكهرباء إلى المياه، إلى النفايات وغيرها. وهذا يجري تحت ذريعة الحرص على حقوق الطائفة والاحتماء فيها. ولا غرابة في أن يتعمّد المسؤولون إهمال وضع هذه القطاعات وغيرها تمهيداً لخصخصتها وبثمنٍ بخس، بدلاً من إزالة الخلل والفساد المتغلغل في مفاصلها لتتعافى الدولة.

لقد أدت ممارساتهم وفسادهم ونهبهم المال العام إلى تجاوز المديونية مئة مليار دولار، وإفراغ خزينة الدولة، وصولاً إلى الانهيار. هذا إضافةً إلى مصادرة المصارف ودائع الناس ومعظمهم من الفئات الشعبية. وأتى انفجار المرفأ والضحايا والدمار والأضرار التي شملت قسماً مهماً من العاصمة وسكّانها، ليكشف مدى إهمال المسؤولين على مختلف المستويات، ولينزع ثقة الشعب بالسلطة وسياساتها المتتالية، وليؤكّد أحقية إنتفاضة 17 تشرين ومطالبتها بإسقاط النظام الطائفي وسلطة الفساد، لوقف الانهيار والكوارث، وبدء التغيير بإيجاد حكومة إنتقالية من خارج المنظومة السلطوية، تمثّل مصالح الشعب في قطع دابر الفساد، وإعادة المال المنهوب، وإيجاد قانون إنتخاب على أساس الدائرة الوطنية والنسبية وخارج القيد الطائفي كسبيلٍ لوضع لبنان على طريق الإنقاذ وبناء وطن حصين ودولة ديمقراطية علمانية تساوي بين اللبنانيين في الحقوق.. دولة عدالة إجتماعية، قادرة على تحقيق الوحدة الداخلية وحماية لبنان أرضاً وبحراً وجوّاً من مطامع واعتداءات إسرائيل. فهذه الانتفاضة التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين في جميع المناطق ومن جميع الطوائف، قد أرعبت الطبقة السلطوية، موالاةً ومعارضة. فواجَهتْها بأساليب قمعية وطائفية ومذهبية، ومحاولة جهات سياسية لاحقاً ركوب الموجة وبشعارات تصب في تفرقة صفوف الانتفاضة لإضعافها، إضافةً إلى التأثير السلبي لدور جائحة كورونا. كما لجأ السلطويون إلى التحايل والخداع متظاهرين بالعمل لمكافحة الفساد، كما جرى في العقد مع شركة ألفاريس للتحقيق الجنائي، في حين أنهم يُبقون بعض عراقيل قانونية وغير قانونية للحيلولة دون تنفيذ هذا التحقيق. مما جعل شركة ألفاريس تغادر لبنان متخلّيةً عن المهمة. وقد جرى خداع مماثل في موافقة قادة الأطراف السطويين مع الرئيس الفرنسي ماكرون في إجتماع قصر الصنوبر بشأن تشكيل الحكومة وبرنامجها، بينما عملوا لعرقلتها. وقد أتت رسالة رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال لتكشف من موقع رئاسة الدولة حجم الفساد الطاغي في السلطة السياسية والإدارية، إضافةً إلى القضاء المكبّل. فرئيس البلاد يشكو كأنه مواطن عادي وكأنه من ضحايا الحالة القائمة. فهل نجد مثل هذا الأمر في بلدان أخرى؟ أليس غريباً أن يكون ما يفعله رئيس البلاد هو التذمّر والشكوى، علماً بأنه مؤسس وقائد تيار شعبي كبير ومعه أكبر كتلة نيابية؟ فالذي لا بدّ أن يجري في حالةٍ كهذه إمّا الاستقالة لاستحالة الإصلاح والتغيير من موقع السلطة، أو الإقدام على قلب الطاولة وتسمية الفاسدين والمعرقلين، ليقوم الشعب والقضاء بمحاسبتهم. فالمعلوم أنّ قطع دابر الفساد واستعادة المال المنهوب، لا يقوم به الفاسدون أنفسهم. ولا سبيل للإنقاذ إلاّ بتعاظم دور الشعب وتحويل الانتفاضة إلى ثورة تُسقط المنظومة السلطوية وفسادها ونظامها الطائفي الذي تحتمي به. وتحقّق تغييراً ديمقراطياً يُخرج البلاد من حالة الانهيار المستمرة.

 

 

المصدر: جريدة النهار